نجران، 25 يناير 2025 — تقع في قلب المملكة العربية السعودية، وتعد التراث المعماري لنجران شهادة على الهوية الثقافية العميقة للمنطقة، حيث تعرض مزيجًا من التقنيات والمواد التقليدية التي صمدت أمام اختبار الزمن. هذا التراث، الذي يُحتفى به لتصميمه المستدام وهياكله الموجهة نحو المجتمع، يلعب دورًا كبيرًا في تشكيل رؤية السعودية 2030، التي تركز على الحفاظ على التراث الثقافي مع احتضان الابتكار والتكنولوجيا. العمارة الفريدة في المنطقة تُعترف الآن كمصدر للإلهام للتطورات الحديثة والطموحة مثل نيوم والقدية.
هندسة نجران المعمارية هي استجابة مباشرة لظروف البيئة في المنطقة، حيث تُبنى الهياكل من مواد محلية مثل الطين والحجر وخشب النخيل. تقدم هذه المواد، بالاشتراك مع تقنيات البناء التقليدية، حلولًا لتنظيم الحرارة، والاستقرار، واحتياجات المجتمع المحلي. "بيوت الطين" في نجران، التي تجسد هذه الفلسفة المعمارية، تظل حجر الزاوية لهوية المنطقة، رمزاً للتناغم بين البيئة المبنية والطبيعة. الدكتور عبدالرحمن المجادة، أستاذ مساعد في تصميم المدن بجامعة نجران، يشير إلى أن هذه المنازل تُبنى بتصميم عمودي، حيث لا تتجاوز مساحة المباني عادةً 100 متر مربع. هذا التصميم يعظم استخدام الأرض للأنشطة الأساسية، مثل تربية الماشية، وتخزين الحبوب، وإنشاء مساحات خارجية للعيش في الصيف.
المدينة القديمة في نجران تضم ثروة من المعالم التاريخية، بما في ذلك القلاع القديمة، والقصور، والمنازل التي صمدت لأكثر من 300 عام. هذا الإرث المعماري يقدم لمحة مهمة عن ثقافة وتراث شبه الجزيرة العربية. يختلف تخطيط المدينة عن الخطط الحضرية المتماسكة للمدن الإسلامية التقليدية، حيث يتشكل بشكل أكثر عضوية من العادات المحلية والمناظر الطبيعية الزراعية المحيطة. لا توجد جدران محيطة؛ بدلاً من ذلك، تتناثر مجموعات من المجمعات السكنية، مما يعكس شعوراً عميقاً بالأمان والتماسك بين المجتمع. هذه المنازل، المصممة لتندمج بسلاسة مع البيئة الطبيعية، تجمع بين الوظائف والجمال، حيث يرتبط جمال كل هيكل ارتباطًا وثيقًا بالعادات الاجتماعية للمنطقة.
يصف الدكتور المجادة خمسة أنماط معمارية مميزة في نجران تعكس تنوع وعبقرية سكانها. أسلوب "القصبة"، الموجود عادة في مراكز القرى، يتميز بتصميم دائري يضيق نحو الأعلى، مما يشبه الأبراج المستخدمة للدفاع، ومن هنا جاء اسم "الأبراج". أسلوب "الدرب" هو الأكثر انتشارًا، حيث يتكون من سبعة طوابق توفر مساحة واسعة لكل من السكن والأغراض الزراعية. النمط الأبسط "المقدم" يتكون من هيكل طابق واحد مع سقف مصمم للعيش الموسمي. العناصر الزخرفية، مثل الأشرطة الأفقية على الحواف العليا للمباني والنوافذ المؤطرة بالجص الأبيض، تعزز جمال هذه المنازل، بينما يخلق ترتيب النوافذ واجهة خارجية إيقاعية ومنسجمة. استخدام المواد الطبيعية مثل الخشب والطين والجص يساهم في لوحة الألوان الدافئة والترابية للمباني التاريخية في نجران.
مع تزايد الطلب على الحفاظ على هذه الكنوز الثقافية، تزداد الجهود لاستعادة وصيانة منازل نجران الطينية. ناصر عيران، خبير محلي في ترميم المنازل الطينية التقليدية، يبرز الاهتمام المتزايد بإحياء هذه المنازل، مدفوعًا برغبة في حماية التراث الثقافي للمنطقة وتعزيز الجاذبية الجمالية لقرى المنطقة. مع ندرة الأراضي، أصبح تقسيم الممتلكات بين الورثة أكثر صعوبة، مما يجعل الحفاظ على هذه المباني خيارًا أكثر جدوى. لقد لعبت الهيئة العامة للسياحة والتراث الوطني دورًا رئيسيًا في توثيق التراث العمراني في نجران وإنشاء سجل وطني للمواقع التاريخية الهامة، والذي سيشكل موردًا لا يقدر بثمن للباحثين والمتخصصين.
الحرفية المعقدة وراء بناء بيوت الطين في نجران تُظهر الارتباط العميق للمنطقة ببيئتها الطبيعية وتقاليدها الثقافية. تبدأ العملية بـ "الوثار"، وهي تقنية تتضمن وضع صف أفقي من الحجارة يسمى "المذمك". بعد السماح للوقت بالجفاف، تُضاف طبقة ثانية من الطين، تليها بناء السقف باستخدام جذوع النخيل أو الطرفة أو السدر، والتي تُغطى جميعها بملاط الطين وتعالج بالجير في عملية تُعرف بـ "القضاد". إن هذا الاهتمام الدقيق بالتفاصيل لا يعكس فقط براعة أهل نجران، بل يعزز أيضًا فكرة أن التصميم المستدام والمتناغم ثقافيًا هو المفتاح لمستقبل كل من المجتمعات المحلية والمبادرات العالمية مثل رؤية 2030.
من خلال الحفاظ على تراثها المعماري، تساهم نجران بشكل قيم في الحوار حول التصميم المستدام والمليء بالمعنى الثقافي. المباني التقليدية في المنطقة ليست مجرد آثار من الماضي.